الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمي،ن وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم.
انا سوف اقرأ الدعاء طبعا وكلما انتهيت من فقرة فالرجاء ان تقولوا (لا اله الا الله).
بسم الله الرحمن الرحيم، ربي ادخلني في لّجة بحر احديتك ،(لا اله الا الله) وطمطام يم وحدانيتك (لا اله الا الله) وقوني بقوة سطوة سلطان فردانيتك ،(لا اله الا الله) حتى اخرج الى فضاء سعة رحمتك ،(لا اله الا الله) وفي وجه لمعات برق القرب من اثار رحمانيتك، (لا اله الا الله) مهيبا بهيبتك، عزيزا بعنايتك، متجلالا مكرما بتعليمك وتذكيتك، (لا اله الا الله) والبسني خلع العزة والقبول، (لا اله الا الله) وسهل لي مناهج الوصلة والوصول، (لا اله الا الله) وتوجني بتاج الكرامة والوقار، (لا اله الا الله) والّف بيني وبين احبائك في دار الدنيا ودار القرار، (لا اله الا الله) وارزقني من نور اسمك هيبة وسطوة تنقاد لي القلوب والارواح، (لا اله الا الله) وتخضع لدي النفوس والاشباح، (لا اله الا الله) يا من ذلت له رقاب الجبابرة، (لا اله الا الله) وخضعت لديه اعناق الاكاسرة، (لا اله الا الله) لا ملجأ ولا منجا منك الا اليك، (لا اله الا الله) ولا اعانة الا بك ولا اتكاء الا عليك، (لا اله الا الله) ادفع عني كيد الحاسدين، وظلمات شر المعاندين، (لا اله الا الله) وارحمني تحت سرادقات عرشك يا اكرم الاكرمين، (لا اله الا الله) ايد ظاهري في تحصيل مراضيك، ونوّر قلبي وسري بالاطلاع على مناهج مساعيك، (لا اله الا الله).
الهي كيف اصدر عن بابك بخيبة منك، (لا اله الا الله) وقد وردته على ثقة بك، (لا اله الا الله) وكيف تأيسني من عطائك وقد امرتني بدعائك، (لا اله الا الله) وها انا مقبل عليك ملتجأ اليك، (لا اله الا الله) باعد بيني وبين اعدائي، (لا اله الا الله) كما باعدت بين اعدائي، (لا اله الا الله) اختطف ابصارهم عني بنور قدسك، (لا اله الا الله) وجلال مجدك، (لا اله الا الله) انك انت الله المعطي جلائل النعم المكرمة، (لا اله الا الله) انك انت الله المعطي جلائل النعم المكرمة لمن ناجاك بلطائف رحمتك، (لا اله الا الله) يا حي ياقيوم، (لا اله الا الله) يا ذا الجلال والاكرام، (لا اله الا الله) وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد واله اجمعين، (لا اله الا الله) الطيبين الطاهرين، (لا اله الا الله) كافضل ما صليت وباركت وترحمت على ابراهيم وال ابراهيم انك حميد مجيد (لا اله الا الله).
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
وقع في يدي قبل ايام، وانا اتامل ماذا ينبغي ان اقول في خطبة صلاة الجمعة.وقع في يدي كتاب الاكليل لابي محمد الحسن اليماني المعروف بابن الحائك الهمداني، وهو كتاب يحتوي اكثره على ما يسميه المؤلف، بالقبوريات، وهي اخبار وقصص عن قبور قديمة حصل الكشف عنها. وقد الفت نظري احد تلك الاخبار، صفحة 138 من الكتاب يقول فيه: (فيه عبرة اريد ان اعرضها عليكم)
روى هشام عن ابيه عن صالح الكلبي عن ابن عباس قال: ذكرنا احاديث القبور في مجلس رسول الله (صلى الله عليه واله)، فانشعبت منا فيه فنون كثيرة فلم يبق فينا احد الا حدث حديثا. فاقبل رجل من جهينة، فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه واله)، قال: اتانا من يُحدث فيحسن. فلما جاء سلم ثم جلس، فقال: افيكم رسول الله (صلى الله عليه واله) (حيث انه لايعرف رسول الله لانه جالس بين الناس كاحدهم، وفي رواية اخرى يدخل الداخل يقول: من منكم محمد؟ هكذا فقط، من دون تكبر اطلاقا. لانه يلبس كما يلبس الاخرون، ويتكلم كما يتكلم الاخرون، ويمشي كما يمشي الاخرون. على كل حال). فلما جاء سلم ثم جلس، فقال: افيكم رسول الله؟ قلنا نعم ها هو ذا، فقام اليه مسرعا فقبل يده، فقبضها عنه رسول الله (صلى الله عليه واله)، ثم قال: (ان هذه حمقة من حمقات الاعاجم). (ربما الاكاسرة أو القياصرة أو المتنفذين منهم، كانوا يفعلون هذا الفعل، وطبعا تعلمون ان كل غير عربي فهو اعجمي، وليس المقصود امة او لغة معينة). كانوا يستطيلون على الناس بتجبرهم، فاذا جلسوا في مجالسهم، ودخل عليهم من دونهم، تملقهم بمثل هذا، ليستجلب به رافتهم، وان تحية الاسلام المصافحة. فقال: يارسول الله اني اتيتك من بين ظهراني قوم حرشتهم الجاهلية فقست قلوبهم، ومرنت على التكذيب خلودهم، واني احب الاسلام فاتيتك فيه راغبا، فاشرع لي اعلامه لاؤدي فرائضه التي عليّ.. الى اخر الخبر.
فالمهم ومحل الشاهد هو تقبيل اليد، التي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في هذه الحادثة سحبها من هذا الرجل، ولم يقدمها لتقبيل يده.
وفي الوسائل ابواب احكام العشرة، عن علي بن مزيد صاحب السابري، قال: دخلت على ابي عبد الله(عليه السلام) فتناولت يده فقبلتها، فقال: (اما انها لاتصلح الا لنبي او وصي نبي).
وحسب فهمي، فان السر في ذلك هو ان تقبيل اليد، يكون بالنسبة الى من تُقبّل يده، نحوا من التكبر والانانية، والشعور بالاهمية بالنفس الامارة بالسوء، وشكل من اشكال الاستعلاء بالباطل، وعلى غير الحق، وفي يوم القيامة يحشر الفرد ويسأل لماذا قدمت يدك للتقبيل؟ فماذا يجيب؟ مع ان حبال الدنيا يومئذ كلها متقطعة، هل يقول كان ذلك طلبا للدنيا، او للشهرة، او للمال، او للتعارف الاجتماعي، او للتكبر؟ طبعا كل ذلك منقطع في يوم القيامة، ولا يقبله الله سبحانه وتعالى.
ومن هنا ورد كما سمعنا، (انها لاتكون الا لنبي او وصي نبي) اي للمعصومين بالذات، او واجبي العصمة، عليهم افضل الصلاة والسلام. وهم الانبياء والاولياء عليهم السلام، لان نفوسهم ليست امارة بالسوء، لانهم معصومون. اما انا وامثالي، من ذوي النفوس الضعيفة، والقلوب المخلوطة، فهي مؤثرة لامحالة، (اي تقبيل اليد ) تاثيرا دنيويا متسافلا، حتى وان كان قصد الطرف الاخر (اي المقبل) قصدا حسنا وبنية حسنة، الاان فيه جانبا سيئا ايضا حتى على الاخر، لان الفرد الذى تقبل يده اذا تورط امام الله سبحانه، فان الذى ورطه انما هو هذا الذي قبل يده، فهو يضره في الاخرة، فيصير واسطة على ضرره، فيكون هو متورطا ايضا. لانه يضر المؤمن من هذه الجهة.
وليس في الاخبار استحباب تقبيل اليد، ولا خبر واحد فضلا عن الكثير. واتحدى اي شخص، ياتي بما يدل على الاستحباب. بل ان نفس الرواية السابقة، بل كلتا الروايتين السابقتين، تدلان على مرجوحيته لغير المعصومين بالذات، لانه يقول : (اما انها لاتصلح الا لنبي او وصي نبي)، يعني اذا لم يكن الفرد هكذا (اي معصوما بالذات) فلا يصلح له تقبيل اليد. وامارة ذلك هو ان تنظر اليه هل يغضب اذا لم تقبل يده ؟ او انه يطلب بلسان الحال ان تقبل يده ؟
فماذا يكون حاله امام السميع العليم القاهر القادر جل جلاله؟ ويكفينا الخبر الذي بدات به هذه الخطبة، للدلالة على الكراهة، انها حمقة من حمقات الاعاجم، واسلوب من اساليب طلب الدنيا، خوفا منه تُقبل يده حتى تتكفى شره، وتنال خيره، لا اكثر من ذلك. وانما كان تقبيل اليد اسلوبا من اساليب المجاملة، والتقرب إلى السلاطين والمسيطرين، لكسب المنفعة الدنيوية منهم لا اكثر، ولذا يعبر عنها النبي (صلى الله عليه واله) في الرواية (انها حمقة من حمقات الاعاجم) وانما هي من عمل الشيطان، وعمل الدنيا، وعمل النفس الامارة بالسوء، فالحماقة ما هي الا امثال ذلك ؟ ولو كانت مستحبة لما وصفها النبي (صلى الله عليه واله) بمثل هذه الصفة. والرواية، وان كانت ضعيفة، الا انها تامة بادلة التسامح بادلة السنن. وهي قاعدة صحيحة يستعملها الفقهاء لتتميم كثير من المستحبات والمكروهات المروية بالروايات الضعيفة.
والمسالة ليست خاصة بالحوزة كما ربما الان في خاطركم. كلا، بل لعل كل وجهاء الناس، واصحاب السطوة والنفوذ في المجتمع، تقبل ايديهم.كرؤساء العشائر، والمتقدمين في السن، وغيرهم، ورب الاسرة مثلا، وهكذا. فالخطاب لهم جميعا، ومن جميعهم يكون ذلك قبيحا امام الله وامام رسوله (صلى الله عليه واله).
ولكن تعالوا بنا الى المصافحة، التي هي الادب الرئيسي من اداب الله، واداب الاسلام عند لقاء المؤمنين، وليس هو تقبيل اليد بطبيعة الحال. ففي الوسائل اخبار تكاد ان تكون متواترة بذلك.
فعن ابي عبيدة، قال: سمعت ابا جعفر الباقر سلام الله عليه، يقول: (اذا التقى المؤمنان فتصافحا، اقبل الله بوجهه عليهما وتحاتت (اي تساقطت) الذنوب عن وجوههما حتى يتفرقا). وفي رواية اخرى: (وتساقطت عنهما الذنوب كما يتساقط الورق من الشجر).
وعن يونس عن رفاعة، قال: سمعته يقول: (مصافحة المؤمن افضل من مصافحة الملائكة). وعن السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام، قال: (تصافحوا فانها تذهب بالسخيمة).
وعن ابي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (اذا لقي احدكم اخاه فليسلم عليه وليصافحه، فان الله عزوجل اكرم بذلك الملائكة، فاصنعوا صنع الملائكة).
وفي حديث اخر عن ابي عبد الله، قال: (انتم في تصافحكم في مثل اجور المجاهدين). وعن ابي عبيدة الحذاء، قال: قال ابو جعفر الباقر (سلام الله عليه): (ان المؤمن اذا صافح المؤمن تفرقا من غير ذنب).
وعن ابي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (اذا تلاقيتم، فتلاقوا بالتسليم والتصافح، واذا تفرقتم، فتفرقوا بالاستغفار). والاخبار في ذلك متظافرة ومتواترة.
والنتيجة ان المؤمنين اذا تلاقيا وتصافحا، فقد عملا المستحب والادب الاسلامي الذي يرضي الله ورسوله والمعصومين، وافترقا من غير ذنب.واما اذا حصل تقبيل اليد فقد افترقا بذنب. اما من مد يده فعليه الوزر والمسؤولية. واما الاخر فعليه مسؤولية توريط صاحبه بالذنب.
يبقى شيئ واحد اؤجله الى الجمعة الاتية، اذا بقيت الحياة، وهو انك تسأل وكثيرون يسالون بهذا الصدد، ان تقبيل اليد اكرام لذرية رسول الله (صلى الله عليه واله)، فهذا ما سوف اجيبه في الجمعة الاتية اذا بقيت الحياة، واذا لم تبق الحياة فاسالكم الفاتحة والدعاء.
بسم الله الرحمن الرحيم ويل لكل همزة لمزة * الذي جمع مالا وعدده * يحسب ان ماله اخلده * كلا لينبذن في الحطمة * وما ادراك ما الحطمة * نار الله الموقدة * التي تطلع على الافئدة * انها عليهم مؤصدة * في عمد ممددة *
صدق الله العلي العظيم