الجمعة الثامنة والثلاثون 13 رمضان 1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي ليس له منازع يعادله ولا شبيه يشاكله ولا ظهير يعاضده قهر بعزته الاعزاء وتواضع لعظمته العظماء فبلغ بقدرته ما يشاء الحمد لله الذي يجيبني حين اناديه ويستر علي كل عورة وانا اعصيه ويعظم النعمة علي فلا اجازيه فكم من موهبة هنيئة قد اعطاني وعظيمة مخوفة قد كفاني وبهجة مونقة قد اراني فاثني عليه حامدا واذكره مسبحا الحمد لله الذي لا يهتك حجابه ولا يغلق بابه ولا يرد سائله ولا يخيب آمله الحمد لله الذي يؤمن الخائفين وينجي الصادقين ويرفع المستضعفين ويضع المستكبرين ويهلك ملوكا ويستخلف آخرين والحمد لله قاصم الجبارين مبير الظالمين مدرك الهاربين نكال الظالمين صريخ المستصرخين موضع حاجات الطالبين معتمد المؤمنين الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الارض وعمارها وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله الحمد لله الذي يخلق ولم يخلق ويرزق ولا يرزق ويطعم ولا يطعم ويميت الاحياء ويحيي الموتى وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وامينك وصفيك وحبيبك وخيرتك من خلقك وحافظ سرك ومبلغ رسالاتك افضل واحسن واجمل واكمل وازكى وانمى واطيب واطهر واسنى واكثر ما صليت وباركت وترحمت وتحننت وسلمت على احد من عبادك وانبيائك ورسلك وصفوتك واهل الكرامة من خلقك اللهم وصل على علي امير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين عبدك ووليك واخي رسولك وحجتك على خلقك وآيتك الكبرى والنبأ العظيم وصل على الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وصل على سبطي الرحمة وامامي الهدى الحسن والحسين سيدي شباب اهل الجنة وصل على ائمة المسلمين علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف الهادي المهدي حججك على عبادك وامنائك في بلادك صلاة كثيرة دائمة. اللهم وصل على ولي امرك القائم المؤمل (في الارجح ان تقوموا لذكر الامام (عليه السلام)).
اللهم وصل على ولي امرك القائم المؤمل والعدل المنتظر وحفه بملائكتك المقربين وايده بروح القدس يا رب العالمين اللهم اجعله الداعي الى كتابك والقائم بدينك استخلفه في الارض كما استخلفت الذين من قبله مكن له دينه الذي ارتضيته له ابدله من بعد خوفه امنا يعبدك لا يشرك بك شيئا اللهم اعزه واعزز به وانصر وانتصر به وانصره نصرا عزيزا وافتح له فتحا يسيرا واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا اللهم اظهر به دينك وسنة نبيك حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة احد من الخلق. اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام واهله وتذل بها النفاق واهله وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك والقادة الى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والاخرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
((وسيق الذين كفروا الى جهنم زمرا * حتى اذا جاؤوها وفتحت ابوابها وقال لهم خزنتها الم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم ايات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا * قالوا بلى ولن حقت كلمة العذاب على الكافرين * قيل ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها * وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا * حتى اذا جاؤوها وفتحت ابوابها وقال خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين * وقالو الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض ننتبوء من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين * وترى الملائكة حافين حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين *))
نستمر فيما قلناه في الخطبة الاولى فنقول ويمكن تفسير هذه العبارة المروية عن النبي (صلى الله عليه واله) بتفسير آخر وهو قضية ما ملكت يمينك فهذا الذي عرفناه واخرى واخرى نفهم منه المال & فان ذلك مرجوح اخلاقيا حتى مع دفع الحقوق الشرعية فضلا عن عدم دفعها كما ورد (ما اجتمع درهمان الا من شح او حرام) وقال تعالى ((ومن يوق شح نفسه)) يعني يوق شح نفسه بالمال يكون سخيا وباذلا له في سبيل الله وفي سبيل الاخرين.
المعنى الثاني : التخفيف من الصرف والبذخ في اطايب الطعام وجميل اللباس والمنازل اعالية والمراكب الفارهة فان ذلك ان كان مع اهمال الدين وترك الورع كان حراما حقيقة وعليه عقوبة فعلية فان كان مع دفع الحقوق الواجبة كان الحرص على الباقي على الزائد عن الحاجة مرجوحا حقا من الناحية الاخلاقية والانسانية كما سمعنا فيما روي عن امير المؤمنين (عليه السلام) بما مضمونه (كيف ارضى ان يقال امير المؤمنين ولا اشاركهم جشوبة العيش).
ثم يقول (صلى الله عليه واله) كما في الرواية (ومن كف شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه) فانه من الواضح ان اي فرد يستطيع ان يصنع الشر لغيره كما ان من الواضح ان الشر الوارد على الفرد على قسمين لانه قد يكون على استحقاقه ومطابق للعدل كدفاع المظلوم والحدود والديات والتعزيرات الشرعية وقد لا يكون على استحقاقه فيكون ظلما محرما وذلك كسائر المظالم التي نراها تقع بين الناس. فهنا يوصي النبي (صلى الله عليه واله) او نقول الافراد سواء كان الفرد صائما او لم يكن ان يكف شره عن الناس او قل عن الاخرين لكي يكف الله عنه غضبه يوم يلقاه وهذا معناه اولا الكف الظلم عن الاخرين وهذا النوع من الشر اي الظلم طبعا محرم على كل حال سواء كان من الصائم او من غيره وسواء كان في شهر رمضان او في غيره. لاحظوا .. حتى الغيبة البسيطة والكذب البسيط فضلا عن غيره ومن المعلوم ان ترك هذا الحرام كغيره موجب لرضا الرب سبحانه وتعالى. ثانيا : ان الفرد اذا كان له حق على الاخرين ومن حقه استيفاءه كالدين مثلا فليؤجله فان في ذلك زيادة في الحسن العقلي والرفعة الاخلاقية فهو اما ان يؤجله الى الابد ان يترك استيفاءه اي استيفاء حقه اطلاقا زهدا في الدنيا وطمعا برضا الله سبحانه وتعالى كما قيل في الحكمة : (العفو عند المقدرة). واما اذا كان حريصا على حقه فلا بأس ولكن الافضل له تاجيله عن شهر رمضان المبارك فان في هذا التاجيل رضا الله سبحانه وتعالى ايضا وان الاشتغال بالعبادة فيه خير من الاشتغال باستيفاء الحقوق الدنيوية ولا شك ان مثل هذه الاعمال تعيق عن التوجه الحقيقي المطلوب في شهر رمضان وهذا لا يختلف فيه ايضا الصائم عن المفطر وخاصة اذا كان مفطر عن عذر شرعي وهذا من معاني ما سمعناه (ومن كف شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه).
ثالثا : ان الشر ليس خاصا بالانسان بل هو واقع او في الامكان ان يقع على الحيوان ايضا. والشر الواقع من الانسان على الحيوان منه ما يكون حراما ومنه ما يكون جائزا والظاهر فقهيا ان اغلبه جائز على اي حال كالتذكية للحيوان ماكول اللحم كالغنم والبقر ولكن اطلاق العبارة تشمله فيكون المفهوم منها ان من كف شره عن الحيوان بكل انواع الشر فهو الافضل اخلاقيا والاعلى ايمانيا وهذا عاما وان كان عاما لشهر رمضان وغيره الا انه خلال هذا الشهر المبارك اولى واحق اما احتراما للصوم اذا كان الفرد صائما واما احتراما للشهر اذا كان الفرد مفطرا.
بقي في العبارة سؤال واحد وهو قوله : (كف عنه غضبه يوم يلقاه) فاي يوم يلقاه ؟ فان الله تعالى لا يمكن ان يلاقيه احد لانه لا تحده الازمنة ولا الامكنة ولا الجهات وليس من قبيل الاجسام لكي تصح معه المقابلة والاجتماع اذن فما المقصود من لقاء الله سبحانه وتعالى ؟
ومن الملاحظ ان لقاء الله تعالى منصوص في عدد من ايات القرآن الكريم ومنهي بشدة عن تكذيبه كقوله تعالى : ((قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين)) وقوله : ((ان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون)) وقوله : ((من كان يرجوا لقاء الله فان اجل الله لآت)) وقوله : ((الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شيء محيط)) وقوله : ((فنذر الذين لا يرجون لقائنا في طغيانهم يعمهون)) الى غير ذلك من الايات الكريمات.
ومن الواضح عقلا ومتشرعيا ان الله تعالى يستحيل لقائه باللقاء المادي كما هو معلوم من معلوم العقائد الاسلامية ولكن يمكن حمل هذه النصوص وامثالها على معان اخرى محتملة وممكنة بل متعينة لاستحالة اللقاء المادي بطبيعة الحال :
اولا : ان المراد بلقاء الله يوم القيامة كما هو التفسير المشهوري بقرينة انه حصل التعبير في اية اخرى بلقاء الاخرة فيراد من لقاء الله لقاء الاخرة الذي هو يوم القيامة.
ثانيا : ان المراد تقدير مضاف يعني لقاء رحمته لقاء الله يعني لقاء رحمة الله او لقاء حسابه او لقاء عقابه ونحو ذلك.
ثالثا : ان المراد تقدير مضاف بنحو او يعني لقاء اولياء الله لقاء الله يعني لقاء اولياء الله او من يمثله في اللغة الحديثة اذا تكلمنا في اللغة الحديثة كالملائكة والمعصومين (عليهم السلام).
رابعا : ان المراد الاشارة الى حالة نفسية اعتبارية ناشئة من الاعتقاد والتاكيد على ان الله تعالى يرى عبده في كل مكان وزمان فهو بين يدي الله فالعبد بين يدي الله وامامه في حسناته وفي سيئاته وفي صلاته وفي كل حال (فان لم تكن تراه فهو يراك) ومن جملة ذلك انه في الصلاة بين يدي الله وهذا وارد في الروايات وفي يوم القيامة ايضا بين يدي الله في حال الحساب والعقاب.
خامسا : اننا وان لم نكن نشعر بلقائه فهو جل جلاله يشعر بلقائنا كما قال تعالى : ((هو معكم حيثما كنتم)) وقال : ((ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اين ما كانوا ثم ينبأهم بما عملوا يوم القيامة.
سادسا : ان اللقاء المادي وان كان متعذرا ومستحيلا فان اللقاء المعنوي او الروحي ببعض مراتبه ممكن كما قال امير المؤمنين (سلام الله عليه) في بعض خطبه ما مضمونه : (فانه لا تراه الابصار ولكن تراه القلوب بحقائق الايمان) فيكون اللقاء مع الله تعالى بهذا المستوى الرفيع.
بسم الله الرحمن الرحيم سبح اسم ربك الاعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي اخرج المرعى * فجعله غثاءا اخوى * سنقرئك فلا تنسى * الا ما شاء الله انه يعلم الجهر وما يخفى * ونيسرك لليسرى * فذكر ان نفعت الذكرى * سيذكر من يخشى * ويتجنبها الاشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها ولا يحيى * قد افلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والاخرة خير وابقى * ان هذا لفي الصحف الاولى * صحف ابراهيم وموسى * صدق الله العلي العظيم