السيد محمد باقر الصدر عند الشيعة الامامية

في ذكرى استشهاد الرجل العظيم محمد باقر الصدر تتجلى في النفس والعقل صور عديدة وملاحم كبيرة تبعث في القلب شعورا بوجوب نصرة وموالاة وتثبيت الدعائم والركائز التي اسسها سيدنا الشهيد المظلوم . وفي ذات الوقت تلبية واستجابة لنداء سماحة السيد المولى المقدس (دام ظله) ووجدت في نفسي بان تسليط الضوء بصورة مختصرة في المقال على المنهاج العلمي والفكري اقرب الى النفس من غيره بقدر استطاعتي لان احاطة الجزء ان لم نقل العدم بالكل او الوجود لا سبيل له .
والمنهاج العلمي والفكري لسماحة السيد الشهيد يتجسد في علم الاصول الذي اعاد كتابة فصوله واجزائه باسلوب يتلائم وتطور الحركة الفكرية والعلمية ، يقول سماحته في مقدمة علم الاصول : ( منذ اكثر من نصف قرن لم يطرأ تغير ملحوظ ) وبالتالي سوف ينعكس هذا الجمود الاصولي على كل اتجاهات الفقه ولن يكون قادرا على استيعاب حوادث الحياة التي زادت وتنوعت بصورة هائلة في منتصف القرن الماضي ، ثم يقول سماحته : (كانت الكتب الدراسية المتقدمة الذكر غير صالحة للقيام بهذا الدور على جلالة قدرها العلمي لانها اُلِّفت للعلماء والناجزين لا للمبتدئين والسائرين ) وهي بذلك تكون كتب استدلالية اكثر مما هي كتب منهجية دراسية وبطبيعة الحال لن يكون بمقدورها ان تؤهل طلبة قادرين عل استيعابها او الاستفادة منها بل قد تختلط وتتداخل المعارف المتصلة بها بدرجة تكون معها من الصعوبة ان يحصل الطالب على منهاج عقلي سليم ، ثم يضيف سماحته ( القضايا العقلية المهمة التي بقيت بلا عنوان ولانها مجرد ابحاث تمهيدية او استطرادية بقيت كاجزاء من ابحاث تلك العناوين التاريخية ) ثم ان سماحته يعلن عن بداية جديدة للمنهاج المعرفي والاصولي بقوله ( وقد راينا ان الاستبدال يجب ان يتم بصورة كاملة فيعوض عن مجموعة الكتب الدراسية الاصولية القائمة فعلا بمجموعة اخرى مصممة بروح واحدة وعلى اسس مشتركة وعلى ثلاث مراحل ) .
ان الاستقراء العلمي لحقيقة وضع مناهج جديدة لعلم الاصول ليس لغرض التاليف او لابراز المستوى العلمي الهائل لسماحة السيد الشهيد بل هو حاجة ضرورية فرضتها عملية التكامل الاجتماعي والفكري من اجل المواصلة والاستمرار والبقاء على منهاج اهل البيت والمعارف الاصولية السابقة رغم انها نتاج علمي كبير ومحترم الا انها لم تستوعب الاصول العامة والخاصة بكيفية استنباط الحكم الشرعي وقد تكون قد نهجت منهجا يتباين مع اسس التفكير العقلي الذي ينعكس بصورة عامة على الادلة الشرعية والعقلية ، ثم ان المدرسة الاصولية القديمة تناولت المجال الفردي بعناية وبحث فيما تركت المجال الاجتماعي ، يقول سماحته ( حركة الاجتهاد من حيث المبدأ ومن الناحية النظرية وان كانت تستهدف كلا مجالي التطبيق لانهما سواء في حساب العقيدة ولكنها في خطها التاريخي الذي عاشته على الصعيد الشعبي كانت تتجه في هدفها على الاكثر نحو المجال الاول ( الفردي ) فحسب فالمجتهد خلال عملية الاستنباط يتمثل في ذهنه صورة الفرد المسلم الذي يريد ان يطبق النظرية الاسلامية للحياة على سلوكه ولا يتمثل صورة المجتمع المسلم الذي يحاول ان ينشئ حياته وعلاقاته على اساس الاسلام ...) وعليه تكون اطروحة السيد الشهيد هي محاولة لتصحيح الموروث التاريخي الذي شهد في الامة ابتعاديا (عقائديا) مع كونه ملزم بتوضيح النظرية الاسلامية في مجالي التطبيق الفردي والاجتماعي
والاقتصار على الفردي هو السبب في تراجع التكامل الفكري والعملي على مستوى التطبيق والتي آلت بالامة الى الكثير من التعقيدات الاجتماعية والحياتية والتاريخية ، يقول سماحته ( وقد احست حركة الاجتهاد خلال المقاومة احساسا ما بان الجانب الفردي من تطبيق النظرية الاسلامية للحياة مرتبط كل الارتباط بالجانب الاجتماعي منه اذ بدأ الجانب الفردي ينهار شيئا بعد شئ بسبب انهيار الجانب الاجتماعي ..
ولا يسعنا امام الحجم الكبير والكم الهائل من موارد التصحيح والتجديد وامام الكشف العقلي والمعرفي الذي جاء به سماحة السيد الشهيد وأقام على صحته الادلة والبراهين إلا ان نقول بان المذهب الأمامي قد أعيد بناؤه وهيكلته بأسلوب يلاءم ويطابق المنبع لهذا الخط الشريف بعد ان تعرض بما تعرض له من الوان التحريف والادعاء والتشويه وكان اكثرها واشدها الجهل الذي لاقى من اتباعه على طول المسيرة التاريخية مع كل اعتزازنا وفخرنا بعلمائنا الافذاذ .
يقول سماحته ( ما دامت الامة في حالة الارتفاع وقد بدات تعي الاسلام بوصفه رسالتها الحقيقية في الحياة وقد التقت بحركة الاجتهاد عند الامامية ضمن هذا المفهوم الرسالي الشامل للاسلام فمن الطبيعي التاكيد على ان التطور في الهدف الذي تتبناه حركة الاجتهاد واتساع هذا الهدف لمجالات التطبيق الاجتماعي للنظرية سوف يستمر ويبلغ اقصاه تبعا لنمو الوعي في الامة ومواصلة الحركة لخطها الجهادي في حماية الاسلام ..
لان الامة الواعية وحدها القادرة على السير في خط العصمة والمعصومين وهذه نتيجة طردية نلحظها في كل مراحل التاريخ فزيادة الوعي الشرعي والواقعي هو السبيل لاتساع دائرة الامة المجاهدة والحامية للاسلام ولا يمكن التفريق بين الوعي والاسلام باي حال من الاحوال فلقد حملت هذه الثلة الواعية همَّ الاسلام وستحمله الى يوم القيامة ليقول سماحته ( سوف يتحول الاتجاه نحو تبرير التعامل مع الواقع الفاسد يتحول الى اتجاه جهادي نحو تغيير الواقع الفاسد وتقديم البديل الفكري الكامل عنه من وجهة نظر الاسلام وهذا عين ما سلكه سماحة آية الله العظمى السيد محمود الحسني عندما قال ان دعوتنا علمية فكرية اخلاقية وقد اتخذت شكلا من اشكال الجهاد المقدس لان حجم الفساد كبير ومتجذر مع امة غير واعية لابد وان يتخلل هذه الدعوة العلمية الاخلاقية تضحيات كبيرة وجسيمة على شتى المستويات .
يقول سماحته (السيد الصدر الاول ) ( ان الثورة الكبيرة التي اخذت مجراها في حركة الاجتهاد لتوسيع هدفها وتعميق رسالتها وانفتاحها على كل مجالات حياة الامة وآمالها و آلامها . ان هذه الثورة في جانب الهدف سوف تؤدي حينما يستكمل الهدف كل ابعاده الحقيقية الى تغيير عظيم في كثير من المناهج والتصورات والمواضيع ) .
واهم عناصر استكمال الثورة وديمومة استمرارها الالتحاق بها ونصرتها التي يقود دفتها الآن سماحة المولى المقدس محمود الحسني بمناهجه وتصوراته ومواضيعه العلمية والاخلاقية باعتبارها من اهم واخطر ابعاد التغيير العظيم على حد وصف السيد الشهيد وفي ذات الوقت تعتبر نصرة هذه القضية موالاة وبيعة للمذهب الحق ...