الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
لا اله الا الله عدد رضاه. لا اله الا الله عدد خلقه. لا اله الا الله عدد كلماته. لا اله الا الله زنة عرشه. لا اله الا الله مليء سمواته وارضه. لا اله الا الله الحميد المجيد الغفورالرحيم المؤمن المهيمن العزيز الجبارالمتكبر. لا اله الا الله القابض الباسط العلي الوفي الواحد الاحد الفرد الصمد القاهر لعباده الرؤوف الرحيم. لا اله الا الله الاول الاخر الظاهر الباطن المغيث القريب المجيب. لا اله الا الله الغفور الشكور اللطيف الخبير. لا اله الا الله الصادق الاول العالم الاعلى. لا اله الا الله الطالب الغالب النور الجليل. لا اله الا الله الجميل الرزاق البديع المبتدع. لا اله الا الله الصمد الديان العلي الاعلى. لا اله الا الله الخالق الكافي الباقي المعافي. لا اله الا الله المعز المذل الفاصل الجواد الكريم. لا اله الا الله الدافع النافع الرافع الواضع. لا اله الا الله الحنان المنان الباعث الوارث. لا اله الا الله القائم الدائم الرفيع الواسع. لا اله الا الله الغياث المستغيث المفضل الحي الذي لا يموت. لا اله الا الله الخالق الباريء المصور له الاسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم هو الله الجبار في ديمومته فلا شيء يعادله ولا يصفه ولايوازيه وليس يشبهه شيء وليس كمثله شيء وهو السميع البصير اللطيف الخبير. هو الله اسرع الحاسبين واجود المفضلين المجيب دعوة المضطرين والطالبين الى وجهه الكريم. اسألك بمنتهى كلماتك التامة وبعزتك وقدرتك وسلطانك وجبروتك ان تصلي على محمد واله وان تفعل ما انت اهله ولا تفعل بي ما انا اهله انك ارحم الراحمين وعلى كل شيء قدير.
اللهم صل على المصطفى محمد والمرتضى علي والزهراء فاطمة والمجتبى الحسن والشهيد الحسين والسجاد علي ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والحجة القائم المهدي بقيتك في ارضك وحجتك على عبادك صلاة قائمة دائمة.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
استمر الان في ذكر بعض الامور عن الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها). المهم انه مادامت ذكريات وفاتها موجودة، فيحسن التعرض إلى مثل ذلك خلال الجمعات المعاصرة التى الان موجودة. ولعل احسن ما استطيع ان اذكره بهذا الصدد وفي هذه العجالة فكرتان تخصاها (سلام الله عليها) يحسن الالتفات اليهما.
الفكرة الاولى: ما قلته في بعض كتبي كاضواء على ثورة الحسين (عليه السلام) وغيره. وحاصلها انه مقتضى القاعدة ان كل فرد صاحب حق إذا حرم من حقه واخذه منه الظالمون فانه له الحق ان يطالب بحقه وان يذكّر المجتمع به وان يبرز حججه وبيناته على ثبوته ما اوتي إلى ذلك من سبيل. وهذا لا ينبغي ان يكون محل شك اطلاقا.
والمهم ان الاصل في كل ذي حق ان يدافع هُو عن نفسه، ويطالب بحقه لا ان يدافع عنه غيره. لكن حينما تقتضي المصلحة العامة غير ذلك فلا باس ان يدافع الكثيرون عن الحق المغصوب والظلم المتراكم. ومن ذلك بكل تاكيد ما إذا لم يستطع صاحب الحق ان يدافع عن حقه لبعض الموانع، إذن يجب ان يدافع عنه الاخرون ويذكِّروا المجتمع بمظلمته ويبرهنوا على صحة حقه. وهذا ما يحصل في الجانب الديني الاسلامي كثيرا.
فمثلا ان صاحب الزمان، صاحب الامر المهدي (سلام الله عليه)، لا يستطيع الان ان يدافع عن نفسه، أو ان يطالب بحقه بالرغم من انه مظلوم اكثر من كل البشر، وحقه اعظم من كل الناس، إلا ان مطالبته بحقه ينافي غيبته ويجب عليه ان يحافظ على غيبته، لا ان يعرّف الناس بنفسه إلى زمان موعد ظهوره. فتكون مطالبته بحقه في عصر غيبته متعذرة عليه، وغير ممكنة له ومن ثم وجب على الواعين لقضيته (امثال هذه الوجوه الطيبة) والمدركين لظلامته والمخلصين لدعوته، ان يدافعوا عنه ويرفعوا رايته وينشروا كلمته ويبذلوا امكانهم في ذلك لان كلمته كلمة الله ورايته راية الله وحكمه حكم الله. ومن هنا نكون في هذا الجيل نحن المدافعون عنه ونحن المطيعون له ونحن القائمون بامره (سلام الله عليه) حتى يقضي الله بما هُو قاض.
وكذلك قد يحصل وجود المانع عن ان يدافع الامام عن نفسه لبعد المكان، كالامام الصادق (عليه الصلاة والسلام) فانه ساكن في المدينة المنورة وانصاره في خراسان كما في الرواية المعروفة، فيكون بعيدا عن الساحة وعن المجتمع هناك ولم تكن في حينه اجهزة اعلامية وصوتية ولاسلكية. ومن هنا يتعين على الواعين والمخلصين الدفاع عنه وبيان حقه ورفع مظلمته في أي مكان بعيد أو مدينة اخرى أو زمان اخر لا يوجد فيه الامام (عليه الصلاة والسلام).
ومن ذلك انه قد يحصل في الاسلام ان الرجال لا يستطيعون ان يدافعوا عن انفسهم فيدافع عنهم النساء، وقد حصل ذلك في الاسلام مرتين. اوضحها ما حصل بعد مقتل الحسين (سلام الله عليه)، حيث يكون الحسين واصحابه (سلام الله عليهم اجمعين) مستشهدين قد فارقوا الدنيا ولا مجال لهم بطبيعة الحال للدفاع عن انفسهم والاخذ بحقهم وبيان ظلاماتهم والاقتصاص من اعدائهم. ومن هنا كان من اهم من تصدى لهذا الاعلام الضروري واقامة الحجة الرئيسية (بعد الشهادة) على الصديق والعدو وعلى المؤالف والمخالف هي زينب العقيلة بنت امير المؤمنين (عليهما افضل الصلاة والسلام). ولولا موقف زينب (سلام الله عليها) وكلامها واعلامها وخطاباتها لانطمست ثورة الحسين (عليه السلام) واندرجت في طي النسيان وكأنها لم تكن. فكان لابد في الحكمة الالهية ان تنظم تلك الثورة الكبرى والتضحيات الجليلة إلى هذا الجانب الاعلامي المركز لكي يثمر ثمرته وينفع الاجيال باثره كما قد حصل.
وما اشجعها (سلام الله عليها) والطف بيانها حينما تقول لاكبر مسؤول في الدولة يومئذ: (ولئن جرّت علي الدواهي مخاطبتك، اني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك واستكثر توبيخك. لكن العيون عبرى والصدور حرى. ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء) لان رسول الله (صلى الله عليه واله) قال لصحب يزيد وابي يزيد وجد يزيد بعد فتح مكة: اذهبوا فانتم الطلقاء. أي طلقاء من رضا الله سبحانه وتعالى وليس من غضبه.
(الا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء). إلى ان تقول: (فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا يُرحض عنك عارها (أي لا يغسل عنك عارها) وهل رايك إلا فند وايامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين.
وتقول: (فوالله ما فريت إلا جلدك ولا حززت إلا لحمك ولتردن على رسول الله (صلى الله عليه واله) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم وياخذ بحقهم ((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون))، وحسبك بالله حاكما وبمحمد (صلى الله عليه واله) خصيما وبجبرائيل ظهيرا وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين. بئس للظالمين بدلا وايكم شر مكانا واضعف جندا).
ولقد علمنا في الجمع السابقة ان الذي سول ليزيد ومكن له رقاب المسلمين ونصبه حاكما هُو الاستعمار الذي كان متمثلا يومئذ بالدولة القيصرية البيزنطية الرومانية.
فالمهم اننا هل نستطيع ان نتصور في هذا العصر، وفي كثير من العصور ان يتكلم فرد _مهما كان مهمّا_ امام اعلى مسؤول في الدولة من ملك أو امبراطور أو دكتاتور أو رئيس جمهورية أو أي حاكم مثل هذا الكلام ويعطيه حقه بيده وامام عينيه وفي منزله وامام حاشيته وشرطته ومؤيديه ؟! لان زينب اين كانت ؟ في براني يزيد بن معاوية. هذا متعذر بكل تاكيد حتى في البلدان التي تدعي الحرية والديمقراطية كفرنسا وايطاليا وبريطانيا وغيرها. فان الحرية الشخصية مكفولة هناك شكليا أو نسبيا واما المناقشة في نظامهم والاعتراض على مسلماتهم واسس سياساتهم واسرار دولهم فهو ممنوع، قليلا كان أو كثيرا وليس فيها اية حرية كائنا من كان. وان رغمت انافهم نقول ذلك (وهنا صاح المصلون بالصلاة على محمد وال محمد مرات متعددة).
ومن ذلك (اعني حين يضطر النساء للدفاع عن مواقف الرجال) موقف الزهراء (سلام الله عليها) (وقدمنا موقف زينب لانه اوضح واشرح) حين اضطر امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام) إلى البقاء في بيته حوالي عشرين عاما. وانما كانت الفرصة الرئيسية والكلمة الشجاعة موجودة للزهراء (سلام الله عليها) والتي كانت شكليا تتخذ صورة المصلحة الشخصية، اعني المطالبة بفدك وموارد فدك وارباح فدك. ولكنها في الحقيقة ذات مصلحة عامة واقعية، وهي المطالبة بامامة زوجها امير المؤمنين (سلام الله عليه) وخلافته وتسنمه منصب الرئاسة الفعلية والقيادة في المجتمع.
وقد ابليت الزهراء في ذلك بلاء حسنا وجاهدت جهادا حقيقيا. وايضا كان خطابها مع اعظم مسؤول في الدولة يومئذ كما عرفنا ذلك في زينب (عليها السلام). فلم تكن تحفل بالشدائد ولا تجبن عند المكاره. وانما تقول له بصراحة: (فدونكها مخطومة مرحولة (يعني ناقة في ابهى حلتها، اي حجتنا في ابهى صحتها) تلقاك يوم حشرك. فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون).
ومن جملة خطبها الواضحة الصريحة بالمطالبة بحق زوجها امير المؤمنين (سلام الله عليه) بالخلافـة والامامة ورعاية المجتمع حق رعايته، قولها: (ويحهم انى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الوحي ومهبط الروح الامين الطبن (او الطبين) بامور الدنيا والدين (والطبين هو الخبير ومن هو الخبير ؟ امير المؤمنين سلام الله عليه) الا ذلك هُو الخسران المبين. وما نقموا من ابي الحسن ؟ نقموا والله نكير سيفه وشدة وطئته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله. وبالله لو تكافئوا على زمام نبذة رسول الله (صلى الله عليه واله) لساربهم سيرا سجحا لا يكلم خشاشه ولا يتعتع راكبه ولاوردهم منهلا رويا فضفاضا تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا قد تحرى بهم الري غير متحل منهم بطائل بعلمه الباهر وردعه ثورة الساغب (الذي هو الجائع) ولفتحت عليهم بركات من السماء وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون).
ثم تقول: ( إلى أي لجأ (اي الى اي ملجأ) لجأوا واستندوا وباي عروة تمسكوا ولبئس المولى ولبئس العشير. استبدلوا والله الذنابى بالقوادم والعجز بالكاهل فرغما لمعاطس قوم يحسبون انهم يحسنون صنعا. الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).
وهي تقول هذا الكلام البليغ، والبيان الفصيح بقلب شجاع، وارادة قوية وكلام لا يفهمه الا اهلوه، وهي من العمر حوالي تسعة عشر سنة، أو قل انها شابة صغيرة، ولكنها المعجزة الكبيرة. فهل في العالم اليوم او في اي يوم واحدة تستطيع التكلم مثلها ؟ او رجل عمره تسعة عشر سنة يستطيع ان يتكلم ؟ لا يوجد حبيبي. وهل في اجيال الاسلام وغير الاسلام مثل ذلك ؟ لا يوجد اطلاقا. حتى بنات الملوك والمثقفات والواصلات إلى درجات عليا في الدنيا أو في الآخرة أو في الدين. وانما ذلك كان امرا فريدا حسب مستواها العالي بصفتها بنت الرسول وزوج الوصي وام الحسنين (سلام الله عليهم اجمعين). لاحظوا ..سبحان الله حتى زينب العقيلة (سلام الله عليها) على عظم جهادها لم تكن مثل الزهراء سلام الله عليها. فان الزهراء ابلغ نطقا اكيدا وكانت اصغر عمرا اكيدا من زينب ربما ان الفرق عشرين سنة او اكثر زينب كانت اكبر في زمانها من الزهراء في زمانها، فعشرين سنة ليست قليلة فلا بد انها مجربة وواعية واجتماعية بحيث انه نستطيع القول انه من الممكن لها التكلم اما امرأة عمرها تسعة عشر سنة فهذا هو المعجز الباهر الذي لا معجز مثله.
بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد * صدق الله العلي العظيم