الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اني اسألك الامان يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم واسالك الامان يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. واسألك الامان يوم يعرف المجرمون بسيماهم فبؤخذ بالنواصي والاقدام. واسألك الامان يوم لا يجزي والد عن ولده شيئا ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ان وعد الله حق. واسألك الامان يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة و لهم سوء الدار. واسألك الامان يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله. واسألك الامان يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه. واسألك الامان يوم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته واخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الارض جميعا ثم ينجيه كلا انها لظى نزاعة للشوى. مولاي يا مولاي انت المولى وانا العبد وهل يرحم العبد الا المولى. مولاي يا مولاي انت المالك وانا المملوك وهل يرحم الملوك الا المالك. مولاي يا مولاي انت العزيز وانا الذليل وهل يرحم الذليل الا العزيز. مولاي يا مولاي انت الخالق وانا المخلوق وهل يرحم المخلوق الا الخالق. مولاي يا مولاي انت العظيم وانا الحقير وهل يرحم الحقير الا العظيم. مولاي يا مولاي انت القوي وانا الضعيف وهل يرحم الضعيف الا القوي. مولاي يا مولاي انت الغني وانا الفقير وهل يرحم الفقير الا الغني. مولاي يا مولاي انت المعطي وانا السائل وهل يرحم السائل الا المعطي. مولاي يا مولاي انت الحي وانا الميت وهل يرحم الميت الا الحي. مولاي يا مولاي انت الباقي وانا الفاني وهل يرحم الفاني الا الباقي. مولاي يا مولاي انت الدائم وانا الزائل وهل يرحم الزائل الا الدائم. السلام على سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله واله الطاهرين. السلام على امير المؤمنين علي ابن ابي طالب ورحمة الله وبركاته وعلى مجالسه ومشاهده ومقام حكمته واثار ابائه آدم ونوح وابراهيم واسماعيل وتبيان بيناته. السلام على الامام الحكيم العدل الصديق الاكبر الفاروق بالقسط الذي فرق الله به بين الحق والباطل والكفر والايمان والشرك والتوحيد ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة. اشهد انك امير المؤمنين وخاصة نفس المنتجبين وزين الصديقين و صابر الممتحنين وانك حكم الله في ارضه وقاضي امره وباب حكمته وعاقد عهده والناطق بوعده والحبل الموصول بينه وبين عباده وكهف النجاة ومنهاج التقى والدرجة العليا ومهيمن القاضي الاعلى. يا امير المؤمنين بك اتقرب الى الله زلفى انت وليي وسيدي ووسيلتي في الدنيا والاخرة.
اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
تعرضنا في الجمعة السابقة الى قضية السير راجلين الى كربلاء المقدسة وانا حسب علمي وفهمي ان المنع حصل وانا قلت لكم انكم اذا منعتم فامتنعوا. انتم انشاء الله تكونون على مستوى المسؤولية الدينية تجاه الله وتجاه الحوزة بحيث اذا قيل لكم قفوا تقفون واذا قيل لكم اذهبوا تذهبون جزاكم الله خير جزاء المحسنين. فكانما الان تقول لكم الحوزة قفوا لا تذهبوا وتحصلون كلا الثوابين، كفلين من الثواب، الكفل الاول ثواب اطاعة الحوزة واطاعة العلماء (حفظ الله الموجودين وقدس الله اسرار الماضين). والثواب الثاني الثواب بالنية فان للانسان ما نوى وانت لما الله تعالى يعلم بما في نفسك وقصدك ونيتك وهو السير الى كربلاء واحترام الحسين واقامة شعائر الحسين فسوف يثيبك، حتى لو حصل المنع عن ذلك يعطيك الثواب وانت مستريح. فحاولوا في هذه السنة وفي هذا الموسم ان لا نجد واحدا في الطريق اطلاقا، هذه شعارية في نفسها قائمة وهو انكم اذا قيل لكم لا تذهبوا لا تذهبوا واذا قيل لكم اذهبوا فاذهبوا واذا قالت الحوزة انكم لا يجوز لكم الذهاب يعني لا يجوز لكم الذهاب. والحسين (عليه السلام) طبعا في وده ذلك ويرضى منكم ذلك ويكفي منكم ذلك امام الله وامام رسوله وجزاكم الله خير جزاء المحسنين.
في جمعة سابقة بدأت بشرح خطبة الحسين (سلام الله عليه) في المدينة طبعا في شهر محرم وشهر صفر لازلنا نعيش ذكرى استشهاد سيد الشهداء (سلام الله عليه وعلى اله واصحابه اجمعين).
يقول في الخطبة : (وخير لي مصرع انا لاقيه) يعني ملاقيه وواصل اليه لا محالة. والمستفاد من ذلك امرين :
احدهما : حصول الجزم به والعزم عليه في القضاء الالهي وعدم احتمال حصول البداء الذي نؤمن به نحن الامامية نؤمن بصحته، معناه انه لا يحصل البداء تجاه شهادة الحسين (سلام الله عليه). وان هذالامر مبتوت به ولا يحتمل تغييره وهذا مما تدل عليه روايات اخرى مثل قوله (عليه السلام) كما في بعض الروايات (شاء الله ان يراهن سبايا على اقتاب المطايا) وقوله (عليه السلام) (القوم يسيرون والمنايا تسير بهم الى الجنة)، او قوله عن كربلاء مامضمونه (هذا محط رحالنا ومقتل رجالنا ومسبى نسائنا). وكذلك يدل على ذلك اكيدا القارورة التي اعطاها الحسين (عليه السلام) لام سلمة وقال لها ما مضمونه اذا رأيت التراب الذي فيها يفور دما فاعلمي اني قد قتلت. وهذا معناه التنبوء القطعي ببقاء ام سلمة حية الى ذلك الحين والتنبوء القطعي بحصول حادثة كربلاء،وهو معنى عدم حصول البداء فيها وان القضاء الالهي مبرم بانجازها.
الامر الثاني قوله : (عليه السلام) كما في الرواية وهذه الخطبة (خير لي مصرع انا لاقيه) ظاهره من الاختيار، يعني اختاره الله لي، اي اختاره في علمه الازلي وقضائه وقدره. ولكن مع ذلك يوجد احتمال آخر وهو ان يكون (خير لي) من الخير، لان مقتل الحسين (عليه السلام) واصحابه خير كله وليس فيه شر الا المسؤولية التي تحملها اعداؤه في ايجادهم لهذه المصيبة العظيمة والجريمة الكبيرة ضد الامام المعصوم المفترض الطاعة. مسؤولية اعدائه موجودة. الا انه بالنسبة الى اوليائه لا، في الحقيقة شهادته خيرله ولا صحابه وللبشرية اجمعين ولنا اجمعين. يكفي اننا ندرك بعض نتائجها الحسنة امام الله سبحانه وتعالى وامام التاريخ.
اما بالنسبة اليه فالمقامات العالية التي لا ينالها الا بالشهادة وهذه موجودة في الروايات.
واما بالنسبة الى المجتمع المسلم فمن عدة جهات لا يحصى عددها ولعلنا لاندرك امدها. من قبيل التعليم لاهمية الدين وان الدين من الاهمية بحيث يستحق وجود مثل هذه التضحية الكبرى بالنفس والنفيس والاصحاب والنساء والاموال والاتعاب وكل شيء، اعطانا هذه العبرة (سلام الله عليه وعلى اصحابه)، واهمية طاعة الله سبحانه وتعالى حتى لو لزم كل هذا المحذور وهذا البلاء الدنيوي.
ومنها : اعطاء الامثولة الاكبر في التضحية للدين والتمرد ضد الظلم وضد عصيان الله سبحانه وتعالى كما يقول (الا ترون ان الدين لايعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه) و(ان الدين لعق على السنتهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون).
ومنها : الاصلاح الذي هو قاله حسب الرواية، الاصلاح في امة جده رسول الله (صلى الله عليه واله)، وانا قلت في كتابي عن الحسين (سلام الله عليه) ان هذا يعني جزؤه الرئيسي لم يحصل في حال حياته، لانه لم يبق بعد هذه الخطبة الا عدة اشهر وقتل (سلام الله عليه)، وانما حصل الاصلاح بشهادته وبعد شهادته ولا زال يحصل وسيبقى يحصل الى يوم القيامة بعون الله سبحانه وتعالى وحسن توفيقه له ولنا وللاجيال جميعا وللبشرية جميعا.
ومنها : ابراز الاسلام الحق كاطروحة كاملة وعادلة لازاء الباطل والتسيب والتميع الذي كان يمثله الخليفة والخلافة الاموية والمسيطرين على دفة الحكم وعلى المجتمع من قبيل قوله حسب الرواية (ويزيد لاعب بالقرود وشارب للخمور قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله).
ومنها : حفظ شعائر الدين وهو ما يحصل من ذكر الحسين (عليه السلام) من المواعظ والتعاليم واجتماع المؤمنين وغفران الذنوب وستر العيوب والهمة في طاعة الله سبحانه وتعالى، ولو لم يكن الا مثلا كشيء صغير جدا وهو ذكري للحسين وذكرنا للحسين في امثال هذه المقامات لكفى في الحقيقة، انه هذا امر يتكرر في كل شهر وفي كل يوم وفي كل سنة وتسمعون ما ينفعكم في كثير من المجالس الحسينية وغير الحسينية وهذا امر جيد جدا نتيجة باقية من مقتل الحسين (عليه السلام) الى يوم القيامة انشاء الله تعالى.
(كأني باوصالي هذه) والاوصال هي اعضاء الجسم المتصل بعضها ببعض، ومفرده وصلة وهي القطعة المتصلة، فاوصالي اي اعضاء جسدي. ماذا يحصل فيها ؟ (كأني باوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات)، العسلان هم الذئاب، يمثل الجيش المعادي له بالذئاب الضارية وليت شعري فان النفس الامارة بالسوء اسوأ من الذئب. لان الذئب يتصرف لحاجته او على طبعه او بدون عقل معتد به واما النفس الامارة بالسوء فقد رزقها الله عقلا ورشدا ومع ذلك اعرضت عنه واتبعت اهواءها وشهواتها فكانت كما قال الله تعالى : ((ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلا)) وقوله تعالى ((أرأيت من اتخذ الهه هواه واضله الله على علم وختم على سمعه وبصره)). اذن عسلان الفلوات لا يريد بها حقيقةً الذئاب البرية وانما الذئاب البشرية وهم اعداؤه ولربما يراد به اعداؤه في كل جيل وليس فقط اعداؤه المباشرين، لانكون ضيّقي النظر والفهم وسعوا رحمكم الله في الفهم فانه احسن لكم امام الله سبحانه وتعالى فكلهم عسلان الفلوات. تقطعها معناه انه ليست باظافرها واسنانها، وانما باشكال مختلفة من التقطيع حبيبي .. بالسنتها وايديها ومكرها والى آخره مما لا يحسن التفصيل فيها الان. الفلوات جمع فلاة وهي الصحراء واضافتهم الى الصحراء على احد وجهين. في الحقيقة عسلان الفلوات بالمعنى المطابقي والمعنى المفهوم وهم الذئاب البرية حيث لا يكونون مقصودين حقيقة والا الذئاب في البرية هي عسلان الفلوات، صحيح لكنما حينما لا يكونون مقصودين حقيقة وان البشر الظالمين هم المقصودون حقيقة، اذن فلماذا اضافهم الى الفلوات ؟ سؤال يعرض مع جوابه.
له احد وجهين:
اولا: اما ان الجيش كان في الصحراء فعلا، الجيش المعادي المقابل له كان في الصحراء. كربلاء في ذلك الحين كانت صحراء ليس فيها الا نباتات قليلة نخلات قليلة، والا هي على العموم صحراء قاحلة ليست قاحلة بذاك المعنى لانه فيها نهر على اية حال ولكنها صحراء غير مسكونة ولا مزروعة زرعا معتدا به.
محل الشاهد فتكون صحراء، الجيش الحسيني في الصحراء والجيش المعادي ايضا في الصحراء، والجيش المعادي ظالم وهم عسلان الفلوات لانهم في الحقيقة الان هم في الفلاة، اي حال اعتدائهم على الحسين في الطف.
ثانيا: واما لان عقولهم ومفاهيمهم وعقائهم كالصحراء ليس فيها ما يسمن وما يغني من جوع، او قل ليس فيها حق بل كلها باطل هذا ايضا صحيح. المؤمن عقيدته كالبستان وكالشجرة المثمرة، لماذا ؟ لانه ينفع غيره. ربحه كثير وخسرانه قليل بخلاف الكافر والفاسق والظالم ونحو ذلك بما فيهم الجيش الاموي واتباعهم الى يوم القيامة. صحراء قاحلة تضر اكثر مما تنفع وتعطش اكثر مما تروي وتجيع اكثر مما تشبع اكيدا. فمن هذه الناحية تكون المسألة منطبقة مائة بالمائة.
ويمكن ان نفهم من هذه الجملة وجها ثالثا : وهو بقاء جسده الشريف (سلام الله عليه) بدون دفن ثلاثة ايام فكان من الممكن بحسب القانون الطبيعي ان تأكله الذئاب والوحوش فعلا، لانهم تركوه وذهبوا فبقيت الصحراء مفتوحة وبالتالي الحيوانات تأتي فتأكل. لكن لا، هم محروسون بعناية الله وان كانوا متوفين ومقتولين بطبيعة الحال لم يقترب اليهم اي حشرة واي مكروب واي وحش، انا ذكرت ايضا في كتابي عن الحسين انظروا : حينما قطعوا الرؤوس فهم لا بيوم او يومين او نحو ذلك يصلون الى الشام ؟ لا، وانما يحتاجون الى عشرة ايام او خمسة عشر يوما او عشرين يوما الى ان يصلون الى الشام، فهذه الرؤوس حينما تقطع وتحمل على الرماح اونحو ذلك لا ينالها الفساد لا تخرج منها رائحة. حبيبي هم المفروض لا يؤمنون بالامامة ولا يؤمنون بحقانية هؤلاء، فاذا كان هؤلاء غير محقين فسوف تجيف جثثهم قطعا. مع ذلك قطعوها واخذوها. انا اقول لك انهم يعتقدون انه سوف لا تجيف لانه لا شعوريا وحقيقة وفي باطن انفسهم يعتقدون ان هؤلاء على حق وان هؤلاء هم الظالمون ليس اكثر من ذلك. الظالمون قطعوها واخذوها ويعتقدون انها هي التي محقة وليس غيرها محق. ولا يتوقعون ان تفسد وان تتعفن، فهذا معناه عدة امور:
منها : انهم محروسون اي ان هذه الرؤوس والاجساد محروسة بعين عناية الله هذه واحدة.
وثانيا : ان الجيش المعادي يعلم حقانية الحسين (سلام الله عليه) وانه معتدي ليس فقط على الحسين واصحاب الحسين وانما معتدي على الله ورسوله وامير المؤمنين ايضا.
(بين النواويس وكربلا) هنا يأتي سؤال واضح : ان الحسين اين دفن واين قتل ؟ في كربلاء (كول لا !) طبعا من الضروريات وواضح والمدينة اسمها كربلاء وهذا ينبغي ان يكون واضحا. اذن كيف يقول بين النواويس وكربلاء ؟ يعني ليس في كربلاء (كول لا !). هذا السؤال عاش في ذهني فترة من الزمن سألت به احد كبار السن والاختصاصين من سكان كربلاء "رحمه الله" قال لي ببساطة : (هاي النواويس وهاي كربلا) وفقط. وهو وسط النواويس وكربلا ما هي ؟ النواويس هي احد طرفي المدينة الحالية وكربلا بالعامية (بتضخيم اللام) بالطرف الاخر من المدينة فيكون الحسين قد دفن في وسط هاتين المنطقتين. معنى ذلك ان المنطقة التي دفن فيها الحسين في ذلك الحين لم تكن مسماة بكربلاء. بل الطف او الغاضريات وليست كربلاء. نعم كربلاء انتقل لها من كربلا المجاورة لها فسيمناها كربلاء، انا حسب فهمي هكذا. وطبعا هي لا زالت بهذا الاسم ولكنه بالدقة لو لاحظنا الفهم القديم اللغوي فمنطقته ليست كربلاء وانما الامام حارب ودفن بين النواويس وكربلاء وليس في كربلاء والى الان نسميها واقعة الطف لانسميها واقعة كربلاء.
انشاء الله نكمل في الخطبة الاتية.
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة * رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة * وما تفرق الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءتهم البينة * وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة * ان الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها اولئك هم شر البرية * ان الذين امنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه *
صدق الله العلي العظيم