منع كتابة الحديث على عهد الخلفاء الثلاثة
في طبقات ابن سعد : " ان الاحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بما أمر بتحريقها 1 " .
وبقى هذا المنع نافذا حتى ولي الحكم عمر بن عبد العزيز الاموي 2 فرفع المنع وكتب إلى أهل المدينة : " ان انظروا حديث رسول الله فاكتبوه فاني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله . "
وكان ابن شهاب الزهري أول من دون الحديث على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز ثم كثر التدوين والتصنيف 3 .
منعت مدرسة الخلفاء من تدوين حديث الرسول إلى رأس المائة من هجرة الرسول وليتهم إكتفوا بذلك بل منعوا من رواية حديث الرسول كذلك .
روى الذهبي أن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال : " إنكم تحدثون عن رسول الله ( ص ) أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه 4 . "
1 ) طبقات ابن سعد 5 / 140 بترجمة القاسم بن محمد بن ابي بكر .
2 ) أبو حفص عمر بن عبد العزيز . ولي الخلافة سنة 99 فرفع اللعن عن الامام علي ، وأرجع فدكا إلى ورثة الزهراء ، وامر بكتابة الحديث وله حسنات اخرى . توفي سنة 101 ه .
راجع ترجمته بتاريخ الخلفاء للسيوطي ، وتقرب التهذيب . مقدمة الدارمي ص 126 .
3 ) فتح الباري باب كتابة العلم 1 / 218 .
4 ) تذكرة الحفاظ للذهبي بترجمة ابي بكر 1 / 2 - 3 . ( * )
وروى عن قرظة بن كعب أنه قال : " لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر إلى صرار ، ثم قال : أتدرون لم شيعتكم ؟ قلنا : أردت ان تشيعنا وتكرمنا . قال : ان مع ذلك لحاجة ،
إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالاحاديث عن رسول الله وأنا شريككم قال قرظة : فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله ( ص ) " .
وفي رواية اخرى : فلما قدم قرظة بن كعب قالوا : حدثنا ، فقال : نهانا عمر 1 .
وعن عبد الرحمن بن عوف قال : ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق عبد الله بن حذيفة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر ، فقال : ما هذه
الاحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق ؟ قالوا : تنهانا ؟ قال : لا ، أقيموا عندي ، لا والله لا تفارقوني ما عشت ، فنحن أعلم نأخذ منكم ونرد عليكم فما فارقوه حتى مات 2 .
وروى الذهبي ان عمر حبس ثلاثة ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود
1 ) اخرجها ابن عبد البر بثلاثة اسانيد في جامع بيان العلم باب ذكر من ذم الاكثار من الحديث دون التفهم له 2 / 147 ، وتذكرة الحفاظ للذهبي 1 / 4 - 5 . وقرظة بن كعب أنصاري خزرجي ، في اسد الغابة هو احد العشرة الذين وجههم
عمر مع عمار بن ياسر إلى الكوفة . شهد أحدا وما بعدها ، وفتح الري سنة 23 . ولاه علي على الكوفة لما سار إلى الجمل ، وتوفي بها في خلافته . اسد الغابة 4 / 203 .
2 ) الحديث رقم 4865 من الكنز . ط الاولى ج 5 / 239 ، ومنتخبه ج 4 / 61 . و عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري ، آخى الرسول بينه وبين عثمان من المهاجرين وجعل عمر تعيين الخليفة بيده في الشورى فصفق على يد عثمان توفي بالمدينة عام 31 أو 32 ه . روى عنه اصحاب الصحاح 65 حديثا .
راجع فصل الشورى من عبد الله سبأ ج 1 وجوامع السيرة ص 279 . و عبد الله بن حذيفة لم اجد ترجمته ولعله عبد الله بن حذافة القرشي السهمي من قدماء المهاجرين مات بمصر في خلافة عثمان : تقريب التهذيب 1 / 49 . وابو الدرداء
عويمر أو عامر بن مالك الانصاري الخزرجي ، وامه محبة بنت واقد ابن الاطنابة تأخر اسلامه وشهد الخندق وما بعدها ، آخى النبي بينه وبين سلمان ، ولى قضاء دمشق على عهد عثمان ، وتوفي بها عام 33 أو 32 ه .
روى عنه اصحاب الصحاح 179 حديثا . اسد الغابة 5 / 159 - 160 و 187 و 188 ، وجوامع السيرة ص 277 . وعقبة بن عامر اثنان : جهني وروى عنه اصحاب الصحاح 55 حديثا ، وانصاري سلمي اسد الغابة 4 / 417 ، وجوامع السيرة ص 179 . ( * )
الانصاري فقال : أكثرتم الحديث عن رسول الله 1 .
وكان يقول للصحابة : اقلوا الرواية عن رسول الله إلا في ما يعمل به 2 .
هذه الرواية تتفق مع رواية عبد الله بن عمرو بن العاص في المغزى من ان قريشا نهته ان يكتب كل شئ سمعه عن رسول الله . كان ما ذكرناه على عهد الخليفتين أبي بكر وعمر ،
أما عثمان فقد أقر ذلك حيث قال على المنبر : " لا يحل لاحد يروي حديثا لم يسمع به في عهد ابي بكر ولا في عهد عمر 3 . "
ويظهر ان في هذا العصر كان ما رواه الدارمي وغيره : ان اباذر كان جالسا عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع الناس يستفتونه ، فأتاه رجل فوقف عليه ، ثم قال : ألم تنه عن الفتيا ؟
فرفع رأسه إليه ، فقال : أرقيب أنت على ؟ ! لو وضعتم الصمصامة على هذه وأشار إلى قفاه ثم ظننت اني أنفذ كلمة سمعت من رسول الله ( ص ) قبل ان تجيزوا علي لانفذته 4 .
وفي هذا العصر كان - ايضا - ما رواه الاحنف بن قيس قال : أتيت الشام فجمعت 5 فإذا رجل لا ينتهي إلى سارية إلا خر 6 أهلها ، يصلي ويخف صلاته . قال : فجلست إليه ، فقلت له : يا عبد الله من أنت ؟ قال أنا أبو ذر ، فقال لي : فأنت من
1 ) تذكرة الحفاظ 1 / 7 بترجمة عمر . وابن مسعود هو أبو عبد الرحمن ، عبد الله بن مسعود الهذلي ، وأمه ام عبد بنت عبدود الهذلي . كان ابوه حليف بني زهرة . أسلم عبد الله قديما واجهر بالقرآن في مكة فضربوه حتى ادموه وهاجر إلى
الحبشة والمدينة ، وشهد بدرا وما بعدها وقطع عثمان عطاءه سنتين لانكاره على الوليد ما ارتكبه ازمان ولايته على الكوفة ومات سنة اثنتين وثلاثين واوصى ان لا يصلي عليه عثمان . اسد الغاية 3 / 256 - 260 . ومستدرك الحاكم 3 / 315
و 320 وراجع احاديث عائشة 62 - 65 وابو مسعود الانصاري عقبة بن عمرو البدري ، اختلف في وفاته . اسد الغابة 5 / 296 .
2 ) تاريخ ابن كثير 8 / 107 .
3 ) منتخب الكنز بهامش مسند احمد 4 / 64 .
4 ) انما قلنا كان ذلك في عصر عثمان لان احدا من الصحابة ما كان يجرأ على تحدى أوامر السلطة على عهد الخليفة عمر ، والرواية في سنن الدارمي 1 / 132 ، وطبقات ابن سعد 2 / 354 بترجمة ابي ذر واختز له البخاري وأورده في باب العلم قبل القول في صحيحه 1 / 161 ، وأجاز على الجريح : أجهز عليه .
5 ) فجمعت اي حضرت الصلاة يوم الجمعة .
6 ) لعل الصواب : فر أهلها .
انت ؟ قال : قلت : الاحنف بن قيس . قال : قم عني لا اعدك بشر ، فقلت له : كيف تعدني بشر ، قال : ان هذا - يعني معاوية - نادى مناديه : " ألا يجالسني أحد 1 . "
ومن أجل مخالفته لاوامر السلطة ، نفى أبو ذر من بلد إلى بلد حتى لقى حتفه طريدا فريدا بالربذة سنة 31 ه .
هذه أمثله مما كان على عهد الخلفاء الثلاثة من الحظر على الصحابة في نشر أحاديث الرسول ، غير أنهم جمجموا في الكلام ولم يفصحوا عن السبب كما فعله معاوية على عهده .
1 ) طبقات ابن سعد 4 / 168 . وابو بحر الاحنف بن قيس التميمي السعدي لقب بالاحنف لحنف كان برجله . ادرك الرسول ولم يره . اعتزل الحرب في الجمل وشهد صفين مع الامام علي ، وتوفي بالكوفة سنة سبع وستين . روى عنه جميع اصحاب الصحاح . ترجمته باسد الغاية وتقريب التهذيب
منقول