مرقدها
مقامات شامخة
من إشراقات عظمة السيدة زينب أن تتنافس البقاع والبلدان على ادّعاء شرف احتضان مرقدها ومثواها. ففي أكثر من بلد تقام الأضرحة وتشمخ القباب والمنائر باسم السيدة زينب.
لقد اختلف المؤرخون في مكان وفاة السيدة زينب ومحلّ قبرها، وشاء الله (تعالى) أن يكون ذلك سبباً لإظهار عظمتها وإبراز شأنها ومجدها.
ونتحدّث في السّطور التالية عن أبرز المقامات المشادة باسم السيدة زينب (عليها السلام).
المراقد والمشاهد التي حملت اسمها (عليها السلام)
1 - في دمشق الشام
تشير بعض الروايات إلى أنّ عبد الله بن حعفر رحل عن المدينة وأنتقل مع السيدة زينب زوجته إلى ضيعة كان يمتلكها قرب دمشق في قرية يقال لها «راوية» وقد توفيت السيدة زينب في هذه القرية ودفنت في المرقد المعروف باسمها.
وتختلف الروايات في سبب هجرة عبد الله بن جعفر إلى هذه القرية وفي تاريخ تلك الهجرة ووفاة السيدة زينب، لكن العديد من المؤلفين ذكروا أنّ ذلك بسبب مجاعة حصلت في المدينة وإنّ ذلك كان في سنة (65هـ) وبعضهم قال إنّ ذلك في سنة (62هـ).
يقول العلامة الشيخ فرج العمران-خلال بحث له عن الموضوع-: فالأرجح عندي أنّها (عليها السلام) توفيت في الشام في النصف من شهر رجب من العام الخامس والستين من الهجرة وهو عام المجاعة، وذلك بمحضر زوجها الجواد عبد الله بن جعفر، ودفنت في إحدى قراه المعروفة براوية من غوطة دمشق المشتهرة الآن بقرية الست(1).
ويقع مقام السيدة زينب في الجهة الشرقية الجنوبية على بعد سبعة كيلو مترات من دمشق، وقد أصبحت المنطقة كلّها تعرف باسم «السيدة زينب».
وتبلغ مساحة المقام وملحقاته حوالي الـ(15000متر مربع)، ويتسّع لخمسة آلاف شخص.
وقد زار هذا المشهد الرحّالة الشهير ابن جبير المتوفى سنة (614هـ)، وقال عنه في رحلته المعروفة عند ذكر المزارات الشاميّة: «ومن مشاهد أهل البيت مشهد أمّ كلثوم بنت علي ويقال لها زينب الصغرى وأمّ كلثوم كنية أوقعها عليها النبي لشبهها بابنته أمّ كلثوم ومشهدها الكريم قبلي البلد يعرف براوية على مقدار فرسخ وعليه مسجد كبير وخارجه أوقاف وأهل هذه الجهات يعرفونه بقبر الستّ ومشينا إليه وبتنا به وتبركّنا برؤيته(2).
كما زار هذا المشهد الرحّالة ابن بطوطة المتوفى (770هـ)، وقال عند ذكر مزارات دمشق: بقرية القبلي وعلى فرسخ منها مشهد أمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة، ويقال أن اسمها زينب وكنّاها رسول الله لشبهها بخالتها أم كلثوم بنت رسول الله وعليه مسجد كبير وله مساكن وله أوقاف ويسمّيه أهل دمشق قبر الستّ أمّ كلثوم(3).
وذكر هذا المشهد الباحث الدمشقي عثمان بن أحمد السويدي الحوراني المتوفى سنة(970هـ-أو1003هـ) في كتابه: الإشارات إلى أماكن الزيارات)، قال: ومنها قرية يقال لها «راوية» بها السيدة زينب أمّ كلثوم ابنة علي بن أبي طالب توفيّت بغوطة دمشق عقيب محنة أخيها الحسين، ودفنت في هذه القرية ثمّ سميت القرية باسمها وهي الآن معروفة بـ «قبر الست»(4).
وقال العلامة السيد محسن الأمين العاملي: يوجد في قرية تسمّى «راوية» على نحو فرسخ من دمشق إلى جهة الشرق قبر ومشهد يسمّى «قبر الست» ووجد على هذا القبر صخرة رأيتها وقرأتها كتب عليها: هذا قبر السيدة زينب المكنّاة بأمّ كلثوم بنت سيّدنا علي (رضي الله عنه) وليس فيها تاريخ وصورة خطّها تدلّ على أنّها كتبت بعد الستمائة من الهجرة(5).
وإن كان السيد الأمين يرجّح أنّ القبر لزينب الصغرى أخت السيدة زينب الكبرى.
وورد أنّ السيدة نفيسة صاحبة المقام المعروف في القاهرة بنت حسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب قد زارت هذا المشهد في قرية «راوية» سنة 193هـ(6).
وقرب سنة 500هـ شيّد رجل قرقوبي من أهل حلب بمشهدها جامعاً كبيراً من أشهر جوامع دمشق(7).
وأرّخه الخطيب الشيخ علي البازي النّجفي بقوله:
واستــــــــغفر الله لكــــــــلّ مــذنب
ارخ «وقـــــوفاً في ضريح زينب»
هـــــــــذا ضـــريح زينب قف عنده
تـــــــــرى الملا طراً وأملاك السما
(1370هـ)(
.
وفي سنة 1373هـ أهدى جماعة من التجّار الإيرانيين صندوقاً ثميناً من أروع أمثلة الصناعة الإيرانية المعروفة، ومن صنع الفنان الإيراني الحاج محمد سميع، والذي بقي في صنع هذا الصندوق ثلاثين شهراً، وقدّر ثمنه بمائتي ألف ليرة سورية آنذاك، وعليه غطاء من البلّور أحضرته بعثة إيرانية برئاسة ضابط إيراني كبير، وأقيم يوم وصوله ونصبه على قبر السيدة زينب احتفال مهيب ترأسه السيد صبري العسلي رئيس وزارة سوريا
وأرّخه الشاعر النجفي السيد محمد الحلي بقوله:
للفنّ فيـــــــــه عـــــــــــــــلائم
فحار فــــــــــــيه العــــــــــــالم
أرّخــــــــــــت راق الخــــــــاتم
صـــــــــــندوق زيـــنب قد بدت
صنـــــــعته أيــــدي المخلصين
حيـــــــــث احتـــــــوى جثمانها
(1373هـ)(9).
وأهدى بعض تجّار إيران سنة 1380هـ لمشهدها باباً ذهبياً رائعاً(10). وللمقام مئذنتان شامختان بارتفاع 54متراً.
وفي عام 1380هـ أهدى للحرم باب ذهبي للمدخل الغربي وبابان مذهّبان بالميناء للمدخل الشمالي والقبلي كما تمّ في هذا العام 1413هـ اكساء قبّة المقام من الخارج بالذهب.
ظهور الكرامات من مشهد زينب الكبرى بالشام
غير خفي على المسلم المتدين بمعالم دينه أن الكرامة موهبة من المواهب الإلهية التي يكرّم الله أولياءه المخلصين المتفانين في طاعته وامتثال أوامره ولا خلاف في أن العقيلة الحوراء زينب الكبرى (عليها السلام) هي تالية أمها الزهراء (عليها السلام) في فضلها، وأنّ أخاها السبط (عليه السلام) كان يقوم إجلالاً لها، وأما عبادتها فحسبها ما قيل فيه أنها تقضي عامة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن حتى ما تركت تهجّدها لله ليلة الحادي عشر من المحرم. وروي عن زين العابدين أنه قال: كانت تلك الليلة تصلي من جلوس.
كما أنها لم تزل قائمة طيلة الليلة من عاشر المحرم في محرابها تستغيث إلى ربّها فهي من النساء العاليات التي وقفن حركاتهنّ وسكناتهنّ وأنفاسهنّ للباري جلّ جلاله، وحصلت على أرفع المنازل وأعلى الدرجات المتلاحقة بدرجات الأوصياء (عليهم السلام)(11).
فمشهدها أحد المشاهد التي هي محال إجابة الدعاء وكشف اللآواء واستفتاح الاغلاق واستنزال الأرزاق وكم ملمّة اندفعت لباحتها وكم من كربة انجلت بباقتها وبركة غمرت البائسين، وظهرت هناك الكرامات التي دوّنها العلماء وسارت بها الركبان وتناقلتها الأفواه والمسلمون على اختلاف نزعاتهم واعتقاداتهم سواسية في إكبار تلك البقعة المجللة وتزدلف إليها الوفود ليلاً ونهاراً ونحن نتبرك بذكر بعض الكرامات التي وقعت إلينا من الطرق الموثوقة.
- مكاشفة جليلة:
روى الشيخ أبو بكر الموصلي من رجال القرن الثامن في كتابه (فتوح الرحمن) وقال: (توفيت زينب الكبرى بنت علي بغوطة دمشق عقيب محنة أخيها الحسين، ودفنت في قرية من ضواحي دمشق اسمها راوية ثمّ سميت البلدة بها، فالآن يقال للبلد بلد الست أو قبر الست، وكنت أزورها في أول العام ومعي جماعة من الفقراء ولا ندخل إلى القبر ولا نستقبله بل ننحرف عنه ونغضّ أبصارنا لما قرّره العلماء أن الزائر يعامل الميّت كما لو كان حياً لأجل الاحترام، فبينما أنا في بعض الأيام زرتها وأنا في غاية الخشوع والحضور والبكاء فإذا بها قد ترائت لي صورة امرأة محترمة موقرة لا يقدر الإنسان أن يملأ نظره منها احتراماً فأطرقت فقالت: بشرت الأمة أنّ جدي وذريته وأصحابه يحبّون هذه الأمة إلا من خرج عن الطريق فلحقني ازعاج من كلامها فلما عدت للحسّ فلم أجدها فواظبت على زيارتها إلى يومنا هذا). ذكره البدري وغيره.
- عقاب الازدراء بالمشهد والاستخفاف به:
وجدت بخط العلامة المتتبع المغفور له السيد عبد الرزاق المقرّم النجفي (رحمه الله): (تواتر الخبر عند أهل الشام أن الفقيه الحنفي الكبير وعالم دمشق في عصره الشيخ عبد الغني النابلسي المتوفي سنة (1143 هـ) زار مرقد العقيلة زينب (عليها السلام) براوية فلّما سألوه عن ذلك قال: لا أشمّ رائحة النبوة فلمّا انصرف وسار نحو مائتي خطوة سقط عن دابته وانكسرت رجله فأمر بارجاعه إلى المشهد وأنشأ يقول:
زيــــنب بنــــــــت حيدر معدن الـــعلم والـــهدى
عندها بـــــاب حــــــطة فــــادخلوا الباب ســجّدا
فالتأم الكسر في وقته، وفيها يقول السيد حسن الصندوق الدمشقي:
يــــا زيــنب يا بنت نفس محمد ريحـــانتا خـــير الورى أخواك
ولدتك فــــاطمة كــــريمة أحمد هـيـهات ما بين الورى شرواك
- شفاء امرأة مقعدة ببركة العقيلة زينب (عليها السلام):
وهذه أحدث الكرامات وأعجبها، وإنّ هذه المرأة المقعدة شاهدت العقيلة الحوراء (عليها السلام) عيانا في يقظتها، وأخذت العقيلة بعضدها وأنهضتها وحيّر أمرها الدكاترة والأطباء. ونشرت خبرها الجرائد والصحف اللبنانية وتناقلتها الأفواه ونحن نورد حرفياً حكايتها ممّن شاهدوها واستفسرها حقيقة الأمر والمرأة في قيد الحياة حتى اليوم. حدثنا الثقة الخطيب العلامة السيد جواد شبر في المدرسة الشبرية العلمية في النجف الأشرف يوم الأربعاء (8 ربيع الثاني سنة 1394 هـ) قال حدثني به الشيخ إبراهيم سليمان قاضي الجعفرية في الكويت وذلك ليلة الثلاثاء (11 محرم الحرام سنة 1391 هـ) المصادف (8 آذار سنة 1971م) ونحن في دار السيد عمران السيد أحمد وكانت خطابتي هناك بمناسبة عاشوراء وبعد ما فرغت عن حديثي عن الحوراء زينب حدثنا الشيخ المذكور فقال: ظهرت كرامة للسيدة زينب بنت أمير المؤمنين بالشام وذلك أن امرأة اسمها فوزية بنت سليم زيدان وهي اليوم في قيد الحياة في لبنان في قرية جويا قرب صور، وكانت فوزية مقعدة ومصابة بالروماتيزم مدة ثلاث عشرة سنة ولم ينفعها علاج الأطباء فقالت لأخيها حسن: احملني إلى قبر السيدة زينب إلى الشام. فاعتذر منها لأنّ نقلها لم يكن هيّنا مع ما هي عليه من شدّة المرض، فقالت: أنا استأجر امرأتين تحملانني إليها. قال لها أخوها: إذا كتب لك الشفاء فلا فرق بين أن تكوني في بيتك هاهنا أو في حرم السيدة زينب في قرية راوية بدمشق. وصادف المحرم وهناك مأتم في المسجد المقابل لدارهم فرجعت فوزية وجلست على الباب المقابل للمسجد وهي تبكي وتستغيث بالسيدة وتصرخ: يا مولاتي يا أخت الحسين يا مظلومة. وكانت أمها تصرّ عليها بالسكوت وأمرتها أن ترجع ولكنها أبت وقالت: لا أرجع إلا بعد منتصف الليل فتركتها الأم ونامت وفوزية جالسة على مكانها تندب وتنادي مولاتها العقيلة زينب وتطلب منها الشفاء وعند طلوع الفجر تهيأت للصلاة فإذا بامرأة دخلت وأخذت بعضدها وقالت لها: قفي على قدميك أنا زينب بنت علي بن أبي طالب يقول لك أخوك إذا شاءت تشفيك زينب في دارك فإننا لا نشفي أحداً إلا بإذن الله.
قالت فوزية: فإذا كأني أحسست بالعصب في الركبة والوركين فرقعت، ثم إنها نادت أمها: يا أماه هذه السيدة زينب. ولم تنتبه الأم ثم نادت مرة أخرى فركضت إليها الأم فإذا المرأة غابت فأصرّت فوزية أن تذهب إلى بيت أخيها الحسن وتخبره بالشفاء فقامت تمشي سليمة على قدميها إلى بيت أخيها وطرقت الباب عند طلوع الشمس فانتبه هو وقال: الصوت صوت فوزية، فقام مع زوجته وهي بنت السيد نور الدين فلما فتح الباب ورأى الأخت فاندهش، وقال: أخيّة لا تسقطي على الأرض. فقالت: لا بأس بي يا أخي فقد أبرأتني السيدة زينب. فتعجّب أخوها وسرّ سروراً عظيماً؛ ثمّ شاع خبرها في القرية وقصدها الناس ليروها سليمة وانتشر أمرها إلى القرى والبلدان فتقاطر عليها المحاشد وزارها طبيبها إبراهيم صالح والدكتور عطيّة وهو يهودي فشاهدها وتعجّبوا حتى قال الدكتور عطية: إنها شككتنا في ديننا؛ وزارها دكتور مستشفى صور الذي كان يعالجها كلّ أسبوع بابرة فتعجّب أشد تعجب. قال الشيخ إبراهيم سليمان: نشرت صحف لبنان هذا الخبر وذكرت أنّ فوزية رأت هذه الكرامة في المنام ولكنني أحدّث بما سمعته بأذني عن صاحبة الكرامة، فقالت لي: يا إبراهيم كذبوا عليّ وأنا في الحياة بل إنني شاهدت السيدة زينب في اليقظة ولم أنم تلك الليلة. وذكر الشيخ إبراهيم أنّ هذه المرأة بقيد الحياة حتى اليوم.
ذكر الخطيب السيد جواد شبّر هذه الكرامة في كتابه المخطوط المسمى (بما تشتهي الأنفس: ص 176) الموجود عنده.
- عناية ولي العصر (عجل الله فرجه) بمشهد زينب (عليها السلام):
استفاض عند العلماء والمشايخ أنه كان آية الله المرجع الديني وأستاذ الفقهاء والمجتهدين السيد محمد حسن الشيرازي المتوفى سنة (1312 هـ) نزيل سامراء تشرّف بزيارة مرقد العقيلة الحوراء زينب (عليها السلام) في الشام وكنس المشهد بيده الشريفة، وكان ذات يوم جالسا في مجلسه فدخل في المجلس بغتة رجل في زيّ الصالحين ملامح الزهد والتقوى مشرقة في وجهه وقال: أمرني مولاي وحجة الله على خلقه صاحب الزمان (عليه السلام) أن أقدم إليكم الشكر حيث أنكم والحاج ميرزا علي الكني أخرجتم التراب والكثافة بيدكم من حرم عمّتنا الجليلة السيدة زينب الكبرى (عليه السلام)(12) هذه الكرامة حجة قاطعة على صحّة مرقد العقيلة زينب الكبرى (عليها السلام) بالشام لا يطعن فيه.
وهذا غيض من فيض ما غمر الله هذا المقام الأقدس من البركات الجليلة والفيوض الجزيلة وهي أكثر من أن تحصى، وذكر جملة من كراماتها المؤرّخ الدمشقي الكبير شمس الدين محمد بن طولون المتوفي (952 هـ) في كتابه الذي ألفه في ترجمة العقيلة الكبرى (عليها السلام).
منقوووووووول